توقيع كتاب فقه العمران والبيئة في الاسلام نسيب حطيط
الخطيب في حفل توقيع كتاب "فقه العمران" لنسيب حطيط في الاونيسكو: لبنان أحوج ما يكون لتأليف حكومة جديدة للدفاع عن مصالحه والخروج من حالة التردي المعيشي
الثلاثاء 05 تموز 2022 الساعة 07:28
وطنية - القى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في حفل توقيع الدكتور نسيب حطيط لكتابه الجديد بعنوان " فقه العمران والبيئة في الإسلام" الذي اقيم عصر اليوم، في قصر الاونيسكو، بحضور ممثل رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري النائب السابق علي بزي، ممثل وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى المحامي سليمان علوش، سفير الجزائر في لبنان عبد الكريم الكريبي، ممثل الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الشيخ الدكتور علي جابر، الامين العام لحركة "الامة" الشيخ عبد الله الجبري، رئيس المجمع الثقافي الجعفري الشيخ محمد الحاج، العميد الركن الدكتور أمين حطيط، مدير الدراسات في وزارة الاعلام خضر ماجد، عضو لجنة الحوار الإسلامي - المسيحي الدكتور غازي قانصو، عميدة كلية الفنون في الجامعة اللبنانية الدكتورة نهى الصيني، مديرة الكلية الدكتورة عائدة حطيط، شخصيات سياسية وتربوية وثقافية واجتماعية. قدم للحفل الإعلامي احمد زين الدين.
الخطيب
وقال الشيخ الخطيب: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم، ودعا الى التفكر في خلق السموات والأرض (الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار. وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، مدينة علم الله تعالى وعلى آله الطاهرين بابها، فمن شاء أن يدخلها فعليه ببابها. كم يسرني أن اتحدث في أمثال هذه المناسبة، مناسبة توقيع كتاب (فقه العمران والبيئة في الإسلام) للأخ الأستاذ الدكتور نسيب حطيط، وفقه الله تعالى الذي بذل فيه جهدا كبيرا عبر فيه عن سعة اطلاع وأفق فكري عميق وواسع، وأماط فيه اللثام عن مسائل لم تأخذ حقها من الدراسة اللازمة على أهميتها وحيويتها وبعدها الإسلامي الحضاري والترابط الوثيق والمنسجم بين العقيدة والشريعة ونظامها المتكامل في بعديه الدنيوي والاخروي، الذي تميز به عن النظريات المادية التي أسرفت في هذا الاتجاه، وتطرقت فيه الى حد الافساد فأخلت بالتوازن والموازين الحاكمة لها منتحية جانب الاستحواذ على الثروات والخيرات بغية الاستطالة والاستقواء واستكبارا وعلوا في الأرض. وقد وفق الى حد كبير في هذا الربط بين فقه الاستخلاف وما أسماه بالتدافع الحضاري وما أورده تحت هذا العنوان (العمارة الملتزمة والمسؤولية الاجتماعية والدينية - العلاقة بين الانسان والأرض بالمفهوم الديني - القاعدة الإلهية. الاستخلاف مع عدم الحرية بالإفساد - ترابط العمران مع العبادة الى آخره)، وبين العمران والبيئة بتفصيلاتها المسهبة الجامعة، وهو عمل قيم وجدير بالإهتمام يسد ثغرة من الثغرات الكثيرة التي تحتاج الى جهد مماثل من الباحثين الأكاديميين لسدها وكشف النقاب عن الكنوز المعرفية في مجال البحوث الفكرية الإسلامية التي تظهر غنى الإسلام وتسد الحاجة البشرية الملحة للاطلاع على مضامينه وأهمية تطبيقها في الحياة".
اضاف: "وأني إذ أقدر له هذا الجهد المبارك الذي أخرج كتابا بهذا العنوان (فقه العمران والبيئة في الإسلام) فإنه وإن أوحى عنوانه بأنه كتاب فقهي بالمصطلح المعروف لدى فقهاء الشريعة، ولكنه كتاب فكري يعبر عن الإسلام بمعناه الحضاري تعبيرا منهجيا عميقا شاملا تحتاجه أجيالنا المعاصرة أشد الحاجة. وأني أرجو أن ينحو علماؤنا خريجو الجامعات كل في اختصاصه هذا النحو في أبحاثهم، ويستخرجوا كنوز هذا الدين من مضانها مستفيدين من الأبحاث الفقهية ومن الكتاب والسنة ليدلوا بدلوهم ويأخذوا بيد أمتهم من هذا الضياع التي باتت فيه كمن غشيه الظلام لا يهتدي الى الطريق سبيلا. إن مشكلة أجيالنا اليوم باتت عرضة لتغيير الهوية، فهي تعتمد في حياتها وفي كل شيء على ما ينتجه الآخرون الذين أمسكوا بقيادها وتحكموا بمصيرها بعد أن كانت جامعاتها منبعا للعلم والمعرفة وإن لم تأخذ هذه العناوين الفضفاضة وخريجوها الألقاب المفخمة، وحيث كان الدين هو الدافع والمشجع، والعلم يأخذ صفة العبادة لله ويحدوهم قول الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقول رسول الله (ص): " اطلبوا العلم ولو في الصين".
وتابع: "انقلبت الآية حيث أصبحت الدنيا أكبر همنا، فلا على الدنيا حصلنا ولا بالعلم أمسكنا، بل أصبح التخلف والجهل هو الذي يتحكم بمجتمعاتنا، وهي النتيجة الطبيعية لهذا السلوك لأن من يعطي قياده للآخرين سيسوقونه الى حيث يريدون لا الى حيث يريد. فنحن اليوم نحتاج حتى رغيف الخبز ولن نحصل عليه ما لم يأذن له سادة الحضارة المعاصرة، ناهيك عن سائر نواحي الحياة، حيث عطلنا عقولنا وأرحنا أنفسنا من بذل الجهد تكاسلا اعتمادا على مقولة لماذا نتعب أنفسنا ونحن قادرون على الوصول الى ما نريد من دون بذل أي جهد. ولقد جرت محاولات متكررة للخروج من هذا النفق المظلم باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح نتيجة المصالح والارتباطات لفئات من المجتمع بالواقع المعاش، وأصبح الوضع أكثر تعقيدا وخطورة حيث أصبحت الأجيال الصاعدة والناشئة أرضا خصبة لتقبل الثقافة البديلة من دون وجود جهود مقابلة لإنقاذها مع أن لدينا الخبرات اللازمة للتعاطي مع هذه الحرب الناعمة. إن الانتصارات التي سجلها شعبنا في الميادين العسكرية وإن استندت في أساسها الى الإسلام ومبادئه وثقافته فيما تبقى منها في الوجدان الشعبي، ولكنها لم تثمر في تفعيل هذه الثقافة وتعميقها، وتتحمل النخبة المتعلمة والمؤسسات الثقافية جانبا مهما من المسؤولية وعليها أن ترمم هذا التقصير لترفع من المستوى الثقافي الى ما يتناسب مع هذه الانتصارات ولا يبقيها رهينة الظروف والمتحولات، فإنها سرعان ما تنتهي اذا لم يرافقها مع يتناسب معها من العمق الثقافي والتأثير على أكبر قدر ممكن من الشريحة الاجتماعية من سائر الطبقات، حيث أصبحت بعض المراكز الثقافية وعناوينها كوزارات الثقافة والتربية في العالم العربي مجرد عناوين تهتم بمسائل لا علاقة لها بالواقع، بل تعمل على ترويج الثقافة الأخرى بدل ان تعمد الى دراسة المخاطر وتشخيصها ووضع الخطط اللازمة لمعالجتها، بل ان الامر وصل بحكوماتنا وبعض الشرائح الاجتماعية الى الجبن والخوف من بروز أي عامل قوة لدى المجتمع وتعتبره خطرا على وجودها وتسمه بسمة العمالة للقوى الخارجية وتخاف من أي عرض للمساعدة من دول صديقة للبنان، في الوقت الذي تجانب غضب الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية التي هي سبب رئيسي لما يعانيه اللبنانيون بدعمها للقوى الفاسدة المتحكمة بمصائر اللبنانيين".
واردف: "من هذا الواقع المؤسف يتجرأ البعض على انتقاد المقاومة التي يعرف الجميع انها تكاد تكون ورقة القوة التي يملكها لبنان لتخليص ثرواته البحرية من يد الوحش الإسرائيلي، وهم يعلمون أنه لولا خوفه من المقاومة لابتلع كل الثروات البحرية دون أن يسأل أو يخاف من أحد منهم. وفيما يستدعي هذا الواقع ان يتحمل المسؤولون واجباتهم الوطنية ويسرعوا في تأليف حكومة جديدة لبنان أحوج ما يكون لها في هذه الظروف للدفاع عن مصالحه والخروج من حالة التردي المعيشي والسقوط في حالة الفوضى الاجتماعية، اذا بهم يزيدون الوضع تعقيدا وسوءا بحسابات ضيقة كان الأجدى بهم أن يعملوا بحسابات وطنية خارج الصراعات الفئوية والحزبية والشخصية، ولم يفت الوقت لتخطي هذه الحسابات والقيام بما يمليه عليهم الحس الوطني والمسؤولية الوطنية والأخلاقية و الترفع عن هذه الحسابات والمسارعة لتأليف حكومة تنقذ البلد من هذه الهاوية".
وختم: "أعود للقول ان هذا الإنتاج الحديث للأخ الدكتور الاستاذ نسيب حطيط دراسة واسعة الإحاطة معمقة تستحق الثناء والتقدير وتستوجب القراءة الهادئة وهي خطوة على طريق الجهاد الفكري والثقافي لأمة تستحق. شكر الله جهده وسعيه ونتمنى له المزيد من العطاءات الفكرية والثقافية في هذا الطريق".
علوش
والقى كلمة وزير الثقافة مستشاره المحامي سليمان علوش متحدثا عن كتاب الدكتور حطيط الذي "تناول الاحكام الدينية المستمدة من القران الكريم والسنة النبوية حول العمارة وحفظ الاثار كجزء من ثقافة الشعوب وحث الإسلام كما المسيحية على الابداع العقلي والجمال ونبذها للتخريب وهدم الاثار، كما ان القوانين الدينية تفرض قيودا تتعلق بالعبادة بحيث تقرن فعل الخير والعمارة والبناء مع العبادة ، ولذلك لا بد من تنمية المفاهيم الدينية لتشكل رقابة أخرى إضافة لرقابة القانون الوضعي لحفظ تراث هذه الامة ولتنظيم العلاقة بين الانسان والبيئة التي هي ملك الجميع وللأجيال المعاصرة".
وأشار علوش الى ان هذا الكتاب "محاولة أولى لفتح النقاش في المناهج التعليمية والأكاديمية ليكون الدين مساعدا ورافدا لضبط الأمور وحفظ النظام العام واحداث تخصصات حول العمارة المشرقية الدينية الإسلامية والمسيحية التي حاولت بعض الجماعات التكفيرية هدمها وبالتالي تخريب تراث هذه الامة".
حطيط
والقى حطيط كلمة ترحيب شكر فيها بداية الحضور "رغم الظروف الصعبة والاستثنائية"، وقال: "يأوي الانسان الى بنيان الإيمان ليقيه الكفر والانحراف وليفوز في الدنيا والآخرة من خلال العمران العقلي، ويأوي الانسان الى البنيان المادي من منزل وقصر وقرية ومدينة لتقيه وتحميه من الطبيعة والرياح والمطر وتحفظ له الخصوصية، ويقول السيد المسيح (وكل من يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها، يشبه رجلا أحمق بنى بيته على الرمل. فهطل المطر وأتت الفيضانات وهبت الرياح وضربت ذلك البيت فتقوض، وكان انهياره عظيم). وكلا البنيانين يحتاجان للتأسيس الثابت على أسس متينة وصلبة وقوية".
واضاف: "نتعلم في جامعاتنا مفاهيم الهندسة والعمران والبيئة وفق النظام الغربي ومفاهيمه ومعادلاته ونجهل تاريخنا وحضارتنا واحكام ديننا، بل ويتم تشويه الإسلام بجماعات التوحش والتخريب التي تهدم الاثار والأماكن التاريخية الدينية والعامة الجميلة بحجة انها تطيع الله ورسوله، لتظهر الإسلام متوحشا غير حضاري. وهذا عكس الوقائع والتاريخ فقد امر رسول الله عند وصوله الى المدينة بعدم هدم الاثار واحفظها (لا تهدموا الآطام فإنها من زينة المدينة" وقد عمل رسول الله مخططا للتنظيم المدني فأسس سوق المدينة وحدد عرض الطرق وحقوق الجار وممنوعات تلوث البيئة فكان المهندس الأول في الإسلام".
وتابع: "اكد ان الانسان خليفة الله سبحانه على الأرض (اني جاعل في الأرض خليفة) ولا بد للمستخلف - الانسان- ان يقوم بالأعمال التي تليق بمن استخلفه وهو الله سبحانه - والتي ترتكز على الخير والعدم القتل واو الحاق الضرر. وفق القاعدة النبوية (لا ضرر ولا ضرار). الاستعمار الإلهي خلاف الاستعمار البشري المعاصر الذي ينهب ثروات الشعوب، ولم يترك الإسلام أحوال الناس ودنياهم، بل تلازمت العبادة مع المعاملة. بل وتسامت وتعالت المعاملة لتصبح جزء من العبادة ولها اجرها وثوابها كما تحول العمل الى معصية وذنب يماثل معصية ترك الصلاة الصيام. فلا يمكن ان تكون مؤمنا. وتعتدي وتسرق وتخالف. وفي القانون الوضعي للبناء كان مصطلح (وقوع النظر)، وفي العمران القرآني كان الأهم والاشمل(غض البصر)".
واردف: "في العمران البشري كان العمران للدنيا لا يستفيد منه الا الاحياء. وفي العمران الإسلامي تبني في الدنيا وتبقى مستثمرا في الوقف والصدقة الجارية بعد الموت، اي ان استثمار الملكية ليس محدودا. في العمران الإسلامي ممنوع قتل النفس وممنوع موت الأرض، ومن احيا ارضا مواتا فهي له.( ومن احيا نفسا فكأنما احيا الناس جميعا). في العمران الإسلامي الحضارة كل عمل او فكرة تنتج خيرا للانسان. وفي العمران البشري ،القنبلة النووية التي تمحو بلدا او مدينة تسمى عمرانا وحضارة. يقول الرسول الاكرم: الناس شركاء في ثلاثة الماء والهواء والكلأ، واسس لعلم البيئة والملكية العامة. فمن يلوث الفضاء فهو معتد على العالمين. وكذلك الماء والغذاء، وفي حديث الامام الصادق عن النبات والشجر (هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد). وهذا أروع أسس البيئة ان تحفظ للأجيال القادمة حصتها من الثروات ولكل العالمين، العمران البشري يبني بيتا للدنيا، بينما العمران الديني الإسلامي يبني بيتا للدنيا وبيتا للآخرة. العمران الإسلامي لخدمة الانسان وله منظومته الأخلاقية والشرعية التي ترتكز على تقوى الله وعدم الحاق الأذى ابتغاء للربح المطلق، لنا تاريخنا المشرقي الحضاري الذي يحتضن عمارة دينية متنوعة.. ويرتكز على مفاهيم إنسانية واخلاقية راقية. لكنها مستبعدة من المناهج الأكاديمية والدراسية، وحتى من اطروحات رسائل الدكتوراه والماجستير لغياب المعلومة ولمفهوم خاطئ وملتبس نتيجة الانهزام امام المفاهيم والغربية فيتجه طلابنا لعناوين لا ترتبط ولا تخدم بيئتنا واهلنا. وبناء على ما تقدم نطالب بتعديل بعض المناهج وإدخال بعض المقررات التي تتجه لدراسة وتحليل المنظومة العمرانية المشرقية وخاصة الدينية التي تشكل الجزء الأكبر من هذا العمران".
وختم : "ان هذا الكتاب محاولة متواضعة لفتح الأبواب امام الباحثين والعلماء للتعمق والتوسع اكثر في هذا المحور المعرفي والعلمي، والذي يحتوي على بعض الأفكار والاجتهاد الشخصي الذي ربما لا يصيب الحقيقة كاملة. فله اجر محاولة التفتيش عنها، اكرر الشكر والتحية لكم لمشاركتكم لنا هذا اللقاء العلمي المعرفي في ظروف صعبة واستثنائية يحاول البعض الغاء العقل او استئجاره، مقابل رغيف الخبز. وبعضا من وقود وشربة ماء".